رَةِ..... هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الأصْحَابُ، وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلا صَحَّتْ، وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلاةُ فِيهَا، وَتَصِحُّ، قَالَ الْمَجْدُ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ لَفْظاً بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ، وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلاةُ فِيهَا، وَقِيلَ: إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ، وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ لْقَاعِدَةِ: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ فِي مَوَاضِعِ النَّهْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ، وَتَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيه، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ"
المسألة الثالثة: الصلاة في المزبلة والمجزرة ومعاطن الإبل والحمام والحش:
ذهب الأحناف إلى النَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ لِكَوْنِهِمَا مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا مَعَاطِنُ الإِبِلِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ مَعْنَى النَّهْيِ فِيهَا أَنَّهَا لا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَاتِ عَادَةً، لَكِنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِمَا رُوِيَ مِنْ الْحَدِيثِ: ((صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلا تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الإبِلِ)) مَعَ أَنَّ الْمَعَاطِنَ وَالْمَرَابِضَ فِي مَعْنَى النَّجَاسَةِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: مَعْنَى النَّهْيِ أَنَّ الْإِبِلَ رُبَّمَا تَبُولُ عَلَى الْمُصَلِّي فَيُبْتَلَى بِمَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، وَهَذَا لا يُتَوَهَّمُ فِي الْغَنَم.
ومذهب المالكية: "النهي عن المجزرة والمزبلة نَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَإِلا إنْ أُمِنَتْ مِنْ النَّجَسِ جَازَتْ، وَحَيْثُ قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَصَلَّى فِيهَا؛ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَامِداً أَوْ غَيْرَهُ".
أما مذهب الشافعية: فقد قال صاحب كتاب فقه العبادات: "تكره الصلاة محاذياً للنجاسة ولو لم يتصل بها كالصلاة في المزبلة والمجزرة"، وقال النووي - رحمه الله -: "وذكر المجزرة والمزبلة، وإنما منع من الصلاة فيهما للنجاسة، فدل على أن طهارة الموضع الذي يصلي فيه شرط، فإن صلى على بساط وعليه نجاسة غير معفو عنها، فإن صلى على الموضع النجس منه لم تصح لأنه ملاق للنجاسة، وإن صلى على موضع طاهر منه صحت صلاته لأنه غير ملاق للنجاسة"، وقال صاحب مغني المحتاج: "تكره الصلاة في الأسواق، والرحاب الخارجة عن المسجد، وفي الحمام ولو في مسلخه لحديث صحيح أسنده ابن حبان: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام))، واختلف في علة النهي على أقوال أصحها: لأنه مأوى الشياطين، وقيل: خوف النجاسة، وقيل: لاشتغال المصلي بدخول الناس، وقيل غير ذلك، وفي المزبلة بفتح الباء وضمها: موضع الزبل ونحوه كالمجزرة وهي موضع ذبح الحيوان، ومحل ذلك ما إذا بسط طاهراً، وصلى عليه، وإلا لم تصح لأنه مصل على نجاسة، وإنما تكره على الحائل إذا كانت النجاسة محققة، فإن بسطه على ما غلبت فيه النجاسة لم تكره على لضعف ذلك الحائل، وفي عطن الإبل ولو طاهراً وهو الموضع الذي تنحى إليه الإبل الشاردة ليشرب غيرها، فإذا اجتمعت سيقت منه إلى المرعى لقوله: ((صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين)) رواه ابن ماجة، وصححه ابن حبان، ولنفارها المشوش للخشوع، والمرابض المراقد، فلا تكره الصلاة فيها، والفرق بين الإبل والغنم بأن خوف نفار الإبل يذهب الخشوع بخلاف الغنم، ولا تختص الكراهة بالعطن بل مأواها ومقيلها ومباركها، بل مواضعها كلها كذلك، والكراهة في العطن أشد من مأواها لأن نفارها في العطن أكثر لازدحامها ذهاباً وإياباً، والبقر كالغنم، ومعلوم أن أماكن المواشي مطلقاً إن تنجست لم تصح الصلاة فيها بلا حائل، وتصح بالحائل مع الكراهة، لكن الكراهة في موضع الغنم ونحوها لمحاذاة النجاسة كما مرَّ، وفي موضع الإبل لذلك ولما مرَّ".
ومذهب الحنابلة: ما قاله ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: "وذكر بعض أصحابنا مع هذه المواضع المزبلة، والمجزرة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله الحرام، والموضع المغصوب؛ لما روى ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة: ظهر بيت الله، والمقبرة، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق))رواه ابن ماجة"، ولم يفرق الحنابلة في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء وبين بيت المسلخ الذي ينزع في الثياب والأتون، وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الاسم له، وأما المعاطن فقال أحمد: هي التي تقيم فيها الإبل وتأوي إليها، وقيل هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت.
ويكره أن يصلي إلى هذه المواضع، فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وقد سئل عن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش قال: لا ينبغي أن يكون في القبلة قبر ولا حش ولا حمام، فإن كان يجزئه، وقال أبو بكر: يتوجه في الإعادة قولان أحدهما: لموضع النهي، والثاني: يصح لأنه لم يصل في شيء من المواضع المنهي،وإن صلى على سطح الحش أو الحمام أو عطن الإبل أو غيرها فذكر القاضي أن حكمه حكم المصلي فيها، لأن الهواء تابع للقرار، فيثبت فيه حكمه، ولذلك لو حلف لا يدخل داراً فدخل سطحها حنث، ولو خرج المعتكف إلى سطح المسجد كان له ذلك لأن حكمه حكم المسجد، والصحيح إن شاء الله قصر النهي على ما تناوله وأنه لا يعدى إلى غيره، لأن الحكم إن كان تعبدياً فالقياس فيه ممتنع، وإن علل فإنما يعلل بكونه للنجاسة، ولا يتخيل هذا في سطحها والله أعلم.
والعلة في النهي عن الصلاة في هذه المواضع هي كون هذه المواضع مظان للنجاسات، فعلق الحكم عليها وإن لم توجد الحقيقة، كما انتقضت الطهارة بالنوم، ووجب الغسل بالتقاء الختانين، والصحيح جواز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((جعلت لي الأرض مسجداً)) متفق عليه، واستثنى منه المقبرة والحمام ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة، ففيما عدا ذلك يبقى على العموم، وحديث ابن عمر يرويه العمري وزيد بن جبرة، وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما، فلا يترك به الحديث الصحيح، "ولأن قارعة الطريق والمجزرة والمزبلة مظان للنجاسة أشبهت الحش والحمام، ولا تصح الصلاة في المجزرة والمزبلة، والحش وأعطان الإبل، وقارعة الطريق والحمام لما روى ابن ماجه والترمذي وعبد بن حميد في مسنده عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله))، وأما الحش فلاحتمال النجاسة، ولأنه لما منع الشرع من الكلام وذكر الله فيه كان منع الصلاة أولى.
المسألة الرابعة: الصلاة في قارعة الطريق:
الصلاة في قارعة الطريق مكروهة عند الشافعية، والحنفية، والمالكية، فإن صلى فيه صحت صلاته، لأن المنع لترك الخشوع، أو لمنع الناس من الطريق، وذلك لا يوجب بطلان الصلاة، وروي عن مالك الجواز، والعلة في النهي عن الصلاةفي قارعة الطريق فلما فيها من شغل الخاطر المؤدي إلى ذهاب الخشوع الذي هو سر الصلاة.
وقالت الحنابلة: "لا تصح صلاة في قارعة الطريق أي محل قرع الأقدام من الطريق وهي المحجة، سواء كان فيها سالك أو لا لحديث ابن عمرالمتقدم"، وقيل: الصلاة في قارعة الطريق تصح مع التحريم، وذلك لأن النهي لمعنى في غير الصلاةلحديث ابن عمر - رضي الله عنه - المتقدم، ولحديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فحيثما أدركتك الصلاة فصل)) متفق عليه، وذلك لأنها مظنة النجاسة.
المسألة الخامسة: الصلاة فوق الكعبة:
وتكره الصلاة عند الشافعية فوق الكعبة، وإنما كرهت الصلاة فوق البيت لهتك حرمته.
وقال الحنابلة لا تجوز الصلاة فوق الكعبة لعموم نهيه - عليه الصلاة والسلام - أي صلاة الفريضة، وكذا المالكية،
أما إن صلى النافلة في الكعبة أو على ظهرها، وبين يديه شيء منها، أو في الحجر؛ صحت صلاته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في البيت ركعتين، ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها والحجر منها، وإن وقف على منتهاها بحيث لم يبق وراءه شيء منها، أو وقف خارجها، وسجد فيها؛ صحت لأنه غير مستدبر لشيء منها، وتصح النافلة، والمنذورة فيها وعليها باستقبال شاخص منه.
وتصح الصلاة مع التحريم على ظهر بيت الله الحرام، وفي الكعبة يكون مستدبراً لبعض القبلة، وإن صلى النافلة في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه شيء منها صحت صلاته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في البيت ركعتين متفق عليه.
المسألة السادسة: الصلاة في الكنيسة:
تكره الصلاة فيها "عند الجمهور وابن عباس مطلقاً عامرة أو دارسه إلا لضرورة كحر، أو برد، أو مطر، أو خوف عدو، أو سبع فلا كراهة، وحكمة الكراهة: أنها مأوى الشياطين لأنها لا تخلو من التماثيل والصور، ولأنها موضع فتنة وأهواء مما يمنع الخشوع.
وقالت الحنابلة: لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة، وقد رخص فيها الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والشعبي، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وروي عن عمر وأبي موسى الأشعري، واستدلوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في الكعبة وفيها صور، وهي داخلة في عموم قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد))، وقال النووي - رحمه الله -: وتكره الصلاة في مأوى الشياطين كالخمارة، ومواضع المكس، ونحو ذلك من المعاصي الفاحشة"، وقال صاحب فقه العبادات: "تكره الصلاة في الكنيسة على الصحيح من المذهب".
الترجيح: والذي يظهر بعد عرض الأقوال وأدلتهم أن النهي لكراهة التنزيه لأن حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - فيه ضعف، فإن الأصل الطهارة لحديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فحيثما أدركتك الصلاة فصل)) متفق عليه، ولحديث: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)), إلا إذا تيقن نجاسة المكان فإن الصلاة فيه لا تجوز، أما الصلاة في المقبرة - ما عدا صلاة الجنازة - فهي الصلاة باطلة لا تصح سواءً كانت فريضة أو نافلة، والدليل:
أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)).
ثانياً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
ثالثاً: وتعليل ذلك هو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها؛ نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتخذ ذريعة إلى أن تُعبد الشمس من دون الله، أو إلى أن يتشبه بالكفار، وكذلك تحرم الصلاة إلى المقبرة على الصحيح من أقوال أهل العلم، والدليل على التحريم حديث أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احباااااااااااااط(لا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلا تُصَلُّوا إِلَيْهَا))، فهذا يدل على تحريم الصلاة إلى المقبرة أو إلى القبور أو إلى القبر الواحد، ولأن العلة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر، فما دام الإنسان يتجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتجاهاً يُقال إنه يُصلي إليها؛ فإنه يدخل في النهي، وإذا كان داخلاً في النهي فلا يصح لقوله: "لا تصلوا"، فالنهي هنا عن الصلاة، فإذا صلى إلى القبر فقد اجتمع في فعله هذا طاعة لله بفعله الصلاة، ومعصية لمخالفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يمكن أن يتقرب إلى الله - تعالى - به.
والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
نور سينا © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger
Top